وأنت فتاة صغيرة لا تصدقي تماما أن الحياة مذاكرة واجتهاد بلا نهاية فلابد يوما أن تنتقلي لعصر جديد عصر الزوجية ، وأنت زوجة لا تصدقي تماما أن عليك فقط أن تتوددي وتتحببي وتتزيني فلابد أن تنتقلي لعصر جديد عصر الأمومة ، وأنت أما لا تصدقي تماما أن أطفالك يحتاجون منك الرعاية والتربية والتعليم والتهذيب طول العمر فلابد أن تنتقلي لعصر ( المرأة الكبيرة ) و ( الجدة ) ، وأنت امرأة كبيرة وجدة لاتصدقي أنك يجب أن تعيشي علي هامش الحياة وأن دورك الجديد هو بركة العائلة فلابد أن تحتفظي بكل مكتسبات العصور السابقة ، حيوية الفتاة و أنوثة الزوجة وحنان الأم وحكمة الجدة فأنت خلقت لتكوني امرأة لكل العصور .
الفتيات لا يحتجن توصية في هذا الشأن فهن يحلمن بعصر الزوجية مبكرا وقليل منهن من يأخذها العلم بعيدا أو تؤخرها الدراسة ، لكن الزوجات كثيرا ما يستغرقن وقتا أطول مما يجب قبل الاندماج في دور الأم ، رغم وجود الأطفال ورعايتها لهم وذلك خوفا من أن يؤثر ذلك بالسلب علي علاقتها بزوجها ، أما مسألة الانتقال لدور المرأة الكبيرة فلا أعتقد أن هناك من ترضي به أبدا إلا أن تدفع دفعا وتعترف علي مضض وعلي وجهها أمارات الأسي ( أنا كبرت خلاص ) مع تنهيدة من الأعماق .
يرجع ذلك إلي تركيز ثقافتنا الدائم علي دور المرأة الشابة في الحياة ، وكأن النساء جميعا يجب أن تبقي فيه ، ومن تفارقه تسارع إلي وسائل استعادة الشباب المصطنعة وما أكثرها وأعظم تأثيرها حاليا ، حتي أن نجمات المجتمع تظل كل منهن أبد الدهر شابة جيلا بعد جيل ، ورغم أن سببا رئيسيا لذلك هو الرغبة في الحصول علي إعجاب الزوج فإن نسب الطلاق والشقاق في تزايد مستمر .
ومن البديهي أن الرجال أيضا يتقدم بهم العمر ولكنهم لا يعانون نفس الفزع بسبب تحقيق ذاتهم في مجالات العمل والثروة والنفوذ وهو ما يعزز مكانتهم ويشعرهم بالقوة ، إن سعي المرأة الحثيث للحفاظ علي شبابها وجمالها أمر فطري مجبولة عليه وهو أمر محمود أيضا قال تعالي في وصف المرأة ( أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع وذكر من بينها جمالها ) ولكن ليكن ذلك في حدود آمنة ومعقولة وإذا أرادت الحفاظ علي مكانتها في قلب زوجها و أسرتها ومجتمعها فعليها أن تسلك سبلا أخري .
عندما تتزوج الفتاة فإن الحب والعسل هو البداية والزينة والنزهة وكل تلك المباهج السعيدة ، بعد فترة وقبل أن يتسلل الملل لقلب زوجها عليها أن تنتقل معه ـ أهم شئ أن ينتقلا معا ـ لمرحلة الوالدية ، أب و أم صغيران لطفل وليد ، ولأن الأمومة غريزة في حين أن الأبوة اعتياد وممارسة فعلي الزوجة أن تدمج زوجها معها في رعاية طفلهما ، فإذا استمتع الأب بتلك اللحظات فائقة الروعة لطفل صغير يتفتح للحياة فإنه سوف يرتبط به وبأمه ، نعم سيزداد ارتباطه بأمه ليس كزوجة فقط ولكن أيضا أم الولد ، عندما تتطور الأمور في هذا الاتجاه يوما بعد يوم تنشأ روابط جديدة تربط الزوجين، من الملاحظ أن الأسر التي تنجح في تعدي ذلك الحاجز وتستمر في تطويره يوما بعد يوم تنمو الأسرة كلها معا وتزدهر علاقاتها ، أما المشاكل الكبري فإنها تنشأ إذا أصر الزوج علي الإحساس العالي بنفسه ورفض الارتباط الحيوي بأسرته وصار ينظر لزوجته كأنها وكيل أعماله الذي يحاسبه بخصوص نجاحات وإخفاقات الأسرة دون التدخل الفعلي أو تحمل المسئولية الأدبية والاجتماعية كرب أسرة وهذا للأسف يحدث كثيرا ،أو حاولت الزوجة الحفاظ علي زوجها بتجنيبه الاندماج في مشاكل الأسرة فيحدث انفصال شعوري تعاني هي منه بعد ذلك .
حين نتزوج نكون شخصان وبعد طفلين صرنا أربعة يجب أن نعمل ونتحرك ونخطط ونحب وندعو ونستثمر ونمارس الحياة من خلال هؤلاء الأربعة معا ، عندما يتم الاندماج والتجانس والذوبان بين جميع الأفراد داخل الأسرة تتم كل العمليات اللاحقة بنجاح حتي مرحلة الأم الكبيرة والجدة فإن الأم تنتقل إليها بحب وفرحة ومعها الأب أيضا وكأنهما يستمتعان بشعور جديد أقوي و أجمل من كل ما سبق ، دون أن يفتقدا كل ما سبق ، يظل الزوج الناجح فقط يري في زوجته الصالحة أمارات الجمال القديمة وكأنه يري ما تحت سطح التجاعيد من سحرها الرائع والمتفرد الذي طالما بهره ، وتظل هي تراه فارسها القوي مهما تغير ، كما أن استمرار التجدد واتساع نطاق الاهتمامات يجعل الإحساس بشباب الروح مستمرا .
مساحيق التجميل ليست سر الشباب الدائم ولكن الخلطة السحرية هي تراكم أجمل ما في كل عصر تمرين به ، احتفظي بدهشة وبراءة وتحفز مرحلة الشباب وتخلصي من نزقه واندفاعه ، احتفظي بأنوثة ومحبة الزوجة وتخلصي من غيرتها وشكها ، احتفظي بحنان الأم ورضاها ودعاءها وتخلصي من شعورها بالقلق والإنهاك والضغط العصبي ، احتفظي بحكمة الجدة وصفاء رؤيتها وتخلصي من تشاؤم الشيخوخة وحسراتها ، أنت بذلك تصبحين امرأة لكل العصور .
امرأة لكل العصور
بقلم الأستاذة / إيمان القدوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق