المقابلة الصحفية التي أجرتها صحيفة الراية القطرية مع رئيس حزب الإصلاح الديمقراطي الوحدوي في سورية الأخ الأستاذ محمد صوّان .
أجرى المقابلة شادي جابر 26/2/2011م .
- كيف تقاربون التحولات الكبيرة والمتسارعة في المشهد السياسي العربي ؟؟
ج : إنّ هذه التحولات الجارية على مساحة الوطن العربي هي نتيجة حتمية لممارسات الأنظمة القائمة وشموليتها واختزالها للوطن بكرسي الحاكم ولشعبها بشخصه ، وطرح أسلوب تعاملها مع شعوبها وخلق هوّة كبيرة بينهما ، ولذلك كان من المفترض أن تحدث هذه التحولات منذ زمن بعيد.
- هل تعتقد أنّ ثمة نظام عربي بمنأى عن هذه التغيرات التي حصلت حتى الآن في كلّ من تونس ومصر ؟؟
ج : نعم يمكن أن تكون الأنظمة الديمقراطية هي الأكثر بـُعداً عن هذا الطوفان الشعبي الهادف إلى التغيير والوصول إلى الديمقراطية التي تتحقق فيها معظم المطالب الأساسية للمواطن . في لبنان مثلاً ، ورغم بشاعة العقلية الطائفية السائدة فيه ، فهو الأكثر بُعداً عمـّا يجري ، ومن بعده النظام في سورية نظراً لمحبة الشعب لرئيسه ، لما يتمتـّع به من صفات جعلته ينال ثقة الشعب ، وهذا يطغى على بيروقراطية النظام وشموليته .
- هل يملك النظام السوري المناعة الكافية لتجنـّب هذه الرمال المتحركة من بلدٍ عربي إلى آخر؟؟ج : أنا أعتقد أن شخصيّة رئيس الجمهورية هي التي تنأى بسورية إلى حدٍّ ما عن هذه التغييرات ، وأظنّ أنّ الرئيس الأسد ليس غافلاً عن ضرورة الإسراع بترجمة ما جاء في منهج التطوير والتغيير، الذي تبنـّاه منذ الرئاسة عام 2000م ، و لا بدّ من العمل بشكل جَـدّي لترجمة مضمون خطاب القسم للاستحقاق الرئاسي الأول، وذلك يتمّ بالاعتماد على الكفاءات السـورية الشابـّة المشهود لها بالوطنية والكفاءة والنزاهة .
- إلى أيّ مدى تؤثـّر مواقف النظام السوري من القضايا الوطنية والعربية ومن إسرائيل على المزاج الشعبي السوري ، وبالتالي تحُول دون تظاهر الشعب ضدّ النظام ؟؟
ج : يجب ألا نـُنكر أنّ مواقف الرئيس الأســد الوطنية والقومية والتزامه بقضايا الأمة أعطت ســورية دوراً هامـّاً في المنطقة ومناعة نوعية أدّت إلى تصالحها مع شـــعبها والشعوب العربيـة عامـّة .
- هناك من يقول : إنّ ثمن التغيير في سورية سيكون باهظاً ، بسبب طبيعة نظام الحكم وعدم التجانس في النسيج الاجتماعي السوري ؟؟
ج : مع الأسف ، البعض ينظر إلى القضية نظرة عكسية مغايرة لحقيقة الوضع الاجتماعي في سورية ، حيث نرى أنّ الشعب السوري وبكلّ مكوناته هو نسيج متجانس ومتلاحم بامتياز ، ونعتقد أنّ التغيير في ســورية بدأ بالفعل منذ مجيء الرئيس بشار الأسد وهو سيُولد ولادة طبيعية لا قيصرية ، ولكنّ الضرورة تقتضي الإسراع في ترجمة هذه التغييرات على أرض الواقع بمشاركة كلّ الأطياف السياسية الوطنية ودفع عجلة الإصلاحات بما يلبـّي طموحات الشعب .
- إلى أيّ مدى برأيك يمكن أن تنعكس هذه التحولات الجارية على الخارطة السياسية في الشرق الأوسط والعالم ؟؟
ج : أعتقد أنّ ما جرى ويجري في الوطن العربي هو ثورات حقيقية عفوية نابعة من إرادة الشعوب ، وخارجة عن أيّ أجندة أوروبية أو أمريكية ، ولكن على الشعوب أن تتحلـّى بالوعي والحذر ، وتبقى بمنأى عن أي محاولات لاستغلالها مستقبلاً أو حرف ثوراتها عن مسارها الوطني . فمن المؤكـّد أنّ هذه الثورات ستنعكس على الخارطة السياسية في المنطقة ، وكلـّنا ثقة بوعي الشعوب وقدرتها على المحافظة على هذه الثورات وجعلها تحقق أهدافها ، ولكن الحذر كلّ الحذر من استغلالها خارجياً أو داخلياً من قبل فـلول الأنظمة البائدة ، وهنا لا بدّ من لفت النظر إلى أنّ هذه الثورات ولأول مرّة سيكون تأثيرها إيجابياً وفاعلاً على الخارج ، وبالتالي المطلوب أن يكون لدى المنطقة مناعة تحميها من تدخلات الخارج أو بعض المتضرّرين في الداخل من هذا التغيير .
أنا أعتقد أنّ ما جرى يغيّر النظرة العامة للأمة العربية ويـُعلي من شأنها بين أمم العالم ، ويؤكـّد أنها قادرة على صنع مستقبلها وفرض إرادة شعوبها ، فاليوم أصبحت الأنظمة أقوى لأنها تستندُ إلى إرادة الشعوب بعكس ما كان قائماً قبل هذه الثورات في ظلّ حكام مرتهنين لأجندات خارجية. لأول مرة ظهر العالم الغربي والأمريكي في موقف ردّ الفعل على فعل الشعوب، فالارتباك الأمريكي والأوروبي كان واضحاً في تعاملهم مع ثورة تونس، وقد تجلـّى الأمر بشكل أكثر وضوحاً حيال الثورة المصرية ، والآن يتكرّر ذلك فيما نرى من مواقف غربية تجاه الثورة الليبية ، حيث تأخـّر انحياز الغرب إلى الشعب الليبي الثائر .
- هل إسرائيل متضررّة أم مستفيدة من هذه التحوّلات ؟؟
ج : أنا أعتقد أنّ إسرائيل متضرّرة حتماً ، ولا مصلحة لها بترك هذه الثورات الوطنية ، النقية والعفوية ، أن تصل إلى خواتيمها أو أهدافها التي تريدها الشعوب ، التي ستكون القوة الرادعة لإسرائيل وغيرها ممن يتربـّص بالعرب ومصالحهم ، ذلك لأنّ هذه الثورات حرّرت الشعوب من قيود الأنظمة الشمولية وفتحت الطريق أمام إزالة الحواجز بين البلدان والشعوب العربية ، ولذلك فإنّ هذه الشعوب ستكون أكثر قـُرباً وتلاحماً من بعضها وأكثر التزاماً بقضاياها المصيرية من تلك الأنظمة البائدة.
- وماذا عن الولايات المتحدة ؟؟
ج : لا شكّ أنّ انعكاس هذه الثورات الشعبية ، وليس الانقلابية ، في منطقتنا على أمريكا يتوقـّف على الأسلوب والطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع هذه الثورات ، ونحن ندعو الولايات المتحدة إلى التعاطي الإيجابي معنا ، بما يحقق المصالح المشتركة ، وليس التعاطي السلبي القائم على التبعية العمياء للوبي الصهيوني المؤيّد لإسرائيل في الولايات المتحدة .
- ثمة من يقول : إنّ من المبكـّر الحكم على هذه التجارب الحديثة العهد .. وثمة من يتخوّف من صراع أو تنازع على السلطة قـد لا يؤدّي إلى الاستقرار أو قيام نظام سياسي ديمقراطي .... ماذا تقول في ذلك ؟؟
ج : نحن نراهن على وعي الشعوب العربية الثائرة وقدرتها على إنتاج نظام ديمقراطي حقيقي تختاره لنفسها، مع عدم إغفالنا للمحاولات المستميتة لإجهاض أو حرف هذه الثورات عن مسارها الحقيقي والطبيعي، ولعلّ أكبر دليل على وعي هذه الشعوب هو استمرارها في التظاهر والاحتكام إلى الشارع حتى بعد انتصارها، كما هو حاصل في تونس ومصر الآن ، وهذا أمر إيجابي ، ويدلّ على تحرّر هذه الشعوب من الأجندات الخارجية .
- ما رأيكم بالبيانات التي أصدرها بعض المعارضين مثل تنظيم الأخوان المسلمين في سورية ، وتجمّع إعلان دمشق ، ودعواتهم إلى التظاهر ضدّ النظام ؟؟
ج : كنا نأمل أن تدعو هذه البيانات إلى إجراء حوار وطني هادئ وهادف بين النظام في سورية وبين مختلف المكونات السياسية في الوطن، وقـد تمّ قـياس أثر هذه البيانات عندما وُجِّهت الدعوات إلى يوم غضب في سورية حيث تبيّن عدم وجود أيّ أرضية لها ، ونحن نتمنـّى ألا تكون وراء هذه الدعوات أصابع خفية من الخارج تستهدف تخريب الوطن وإثارة الفتن ، مع قناعتنا في حزب الإصلاح بأنّ جميع القوى السياسية في الداخل هي قوى وطنية بامتياز .
- ثمـّة مخاوف من انقسامات في بعض البلدان العربية ، إذا لم تنجح الأنظمة الجديدة في تحقيق طموحات الشعوب بالديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص... ولا سيما حيث يوجد التنوّع الطائفي أو الإثني أو العشائري ... ما رأيك بذلك ؟؟
ج : من الضروري أن يكون وراء كل تغيير للأفضل ، وعيٌ شعبي ، وحَذرٌ ومتابعة من أجل إنتاج حكومات وقيادات وطنية تعبـّر عن إرادة الشعوب وتلبـّي طموحاتها في تحقيق وضمان الحريات والعدالة الاجتماعية ، والعمل من أجل التنمية وصولاً إلى تحقيق جميع أهداف هذه الثورات ضمن رسالة ورؤية استشرافـية واضحة ، وبرامج محدّدة ومتكاملة ، ولا شكّ أن ذلك يتطلـّب وعياً شعبياً كبيراً ، وحسـّاً وطنياً عالياً .
صحيفة الراية القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق