الإصلاح في سورية
ننطلق من مقولتنا : ( الوطن ملك للجميع ومسؤولية الجميع )
هذه المقولة هي القاعدة الأساسية لتعاملنا السياسي مع المواطن والوطن ، وعليها نؤسّس إلى أنّ الجميع متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات ، كلّ حسب موقعه .
وهذا يحتـّم على جميع أطراف المعادلة الوطنية من قوى مجتمعية وسياسية، الدخول في عملية الإصلاح متجرّدين عن المصالح الشخصية أو الحزبية، لاعتقادنا أنـّه لا إصلاح دون مشاركة الجميع ، أفراداً ومنظمات وأحزاباً في هذه العملية ، لتكون لها انعكاسات إيجابية على الوطن وحياة المواطنين وتطلـّعاتهم وتمنـّياتهم، واضعين نصب أعينـنا أنـّه في كلّ إصلاح يجب أن تكون المصلحة الوطنية هي العامل الأساس في تحديد الأولويات والحاجات ، ولذلك يجب أن نحدّد الخطوة الأولى في الإصلاح .
هل نبدأ بالإصلاح السياسي ، أم بالإصلاح الإداري ، أم بالإصلاح الاقتصادي ؟؟
فرأينا كحزب أنّ الضرورة تحتـّم على الدولة أن تبدأ بالإصلاح السياسي ، لأنـّه المنطلق لأيّ إصلاح آخر والضامن لاستمرار الإصلاح، وشموله لباقي القطاعات ، وبالتالي تكون تـلبية حاجات ومطالب المواطنين في الصحة والتعليم والسكن وأشكال الحياة المعاشية اليومية ضرورية ، لا بل وضرورة العمل على تأمين مصادرها والحفاظ على هذه المصادر لتكون دائمة ومستمرّة ، معتمدين على ذاتنا دون الارتهان إلى إدارات سياسية أو مالية أو اقتصادية خارجية ، أكانت شقيقة أو صديقة أو شبه صديقة .
وطالما حبانا الله تعالى في هذا الوطن بنعم كثيرة وموارد طبيعية بترولية – معدنية – زراعية تجعلنا محصّنين من الحاجة إلى الغير ، ونبقى في وضع الأمان وخاصّة في أمننا الغذائي ، مما يجعلنا ندعم ونعزّز عمليات الإصلاح الشامل والمستمر، وذلك يتطلـّب من كلّ ممن يمثـّلون المعادلة الوطنية من قوى مجتمعية وسياسية ، أفراداً ومنظمات وأحزاباً وهيئات مجتمع مدني ، المشاركة في عملية الإصلاح ، بعيدين عن محاباة المصالح الشخصية أو الحزبية أو أصحاب النفوذ ، لأنّ مصلحة الوطن وأمنه وحمايته تعني الجميع ، لكنّ هذا الإصلاح لا يمكن له أن يرى النور إلا إذا بادرت الدولة بشكل إيجابي ترجمة ذلك على أرض الواقع ابتداءً من إمكانية إصدار قانون أو مرسوم مع تحديد الوقت لتنفيذ ذلك ، لا أن يُترك إلى حالة مزاجية في تنفيذ مضمون ما صدر ، أو إهماله ووضع في الدرج .
لقناعتنا أنه ليس هناك ما لا يمكن إصلاحه وتطويره ، كما لا يمكن لأحدٍ ، مهما علا موقعه أو كبر نفوذه ، أن يحول أو يعرقـل عملية الإصلاح أو يأخذها بعيداً عن مسارها الوطني .
إذاً فعملية الإصلاح لا بدّ لها من صيغ قانونية ، ومؤسساتية ، واضحة ومحدّدة المسؤوليات ، كما لا بدّ أن تكون كوادرها تتمتـّع بالكفاءة والنزاهة والوطنية ، لتتمكـّن هذه الكوادر من إنجاز عملية الإصلاح بكلّ أمانة وصدق .
وهذا يتطلـّب من الدولة مواجهة الفساد والأخطاء بكلّ شجاعة، وتسمية الأمور بمسمّياتها، أشخاصاً كانوا أو هيئات ، وتعرية الفاسدين والمفسدين ، وإظهار الفساد المرتكب دون مواربة أو تجاهل أو تعتيم .
ولذلك لا بدّ لإنجاح هذا العمل من إعداد وتنظيم خطط عمل تواكب المراحل التي أنجزت وتـُنجز ، فالإصلاح هو مواجهة الفساد ، والعمل على اقتلاعه من جذوره ، ولن يتحقق إلا بحشد الطاقات السياسية والحكومية والقضائية وهيئات المجتمع ، كلـّها دفعة واحدة .
فالفساد ليس حالة فردية بل هو عبر التاريخ ، وفي كلّ العالم ، جملة مصالح متداخلة ومركـّبة ، لها نظامها وآليات عملها وعناصر قوتها ، وهو متعدّد الصور والأشكال ، يطوّر نفـسه باستمرار ، ويـَظهر بوجوه مختلفة ، مما يحتـّم على الإصلاحيين ، من السياسيين والحكوميين والقضائيين وكل المشاركين في عملية الإصلاح ، دقـّة التنظيم والتنسيق لكي يؤدّي مفاعيله ليكون الضامن في إنجاحه .
فالمفسدون يملكون الإمكانيات والقدرات للدفاع عن مصالحهم وذاتهم والتلاعب على القانون ، كما نرى في أكثر من موقع في هذا الوطن ، فسهولة الحصول على المال بغـّير وجه حقّ يُسهّل صرفه بطرق غير مشروعة .
ولكي لا يجدَ هؤلاء فرصتهم لامتطاء صهوة الكوادر الإصلاحية ، والتأثير عليهم ، لا بدّ من تحصينهم بكلّ الوسائل المانعة من الانهيار أمام مغريات أو إرهاب المفسدين والفاسدين .
وجدار التحصين يقع على عاتق السلطات الثلاث ، التنفيذية ، والقضائية ، والتشريعية ، ويجب ألا ننسى أنّ السلطة الرابعة التي هي الإعلام تلعب دوراً كبيراً في عملية استئصال هذا السرطان من جذوره ، وبشكل كامل غير مجزوء ، كي لا يفسح المجال له للانقضاض من جديد ، عندما تـُتاح له الفرص ، وهذا يتطلـّب منا اليقظة ومتابعة محاربته .
وعلـّنا جميعاً أن نعرف بوجود الفساد وتحديد هويته ومكامنه وأسبابه وظروفه، لنتمكـّن من اجتثاثه ومواجهته والقضاء عليه.
وفي كلّ الأحوال ، إنّ عملية الإصلاح بحاجة إلى جميع الجهود ، بغضّ النظر عن الموقع والرأي والاختلاف في الرأي ، سواء في موقع النظام أو في موقع المعارضة أو في موقع الحياد ، لأنّ الوطن ملك للجميع وصونه وحمايته من الفساد والمفسدين والفاسدين مسؤولية الجميع ، تماماً كما الدفاع عنه ضدّ العدو الخارجي .
فالفساد هو أخطر وأشرس من العدو الرابض على الحدود ، لأنه يخرّب بـُنية المجتمع ويعمل على فرط عقدة اللـُحمة الوطنية .
فجميع المواطنين معنيون في عملية الإصلاح ، لأنّ التنوّع والتعدّد في المشاركة مصدر قوة قادرة على حماية الوطن والمواطنين من أخطبوط الفساد ، كما هو ثراء ثقافي وسياسي واقتصادي واجتماعي ، لا بدّ أن ينتج مفاعيله في جعل الإصلاح حالة وطنية شاملة لا تترك زاوية ولا قضية ولا مسألة ولا عنوناً إلا وتدخل في أعماقها ، وتتجاوز حدودها وتعالج الأسباب ، وليس النتائج فقط.
من هنا نقول : إنّ بناء الأوطان ، أولاً وأخيراً ،فعلٌ كلي هادئ جماعي ووطني ، ولا يُستثنى أحد من الأشخاص أو القوى المجتمعية أو السياسية أو المدنية ، ولا يهدر مطالبهم وأولوياتهم عندما تكون للمصلحة الوطنية .
محمد صوان
مؤسس ورئيس الحزب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق