Powered By Blogger

الاثنين، مايو 16، 2011

سورية اليوم

سـورية اليوم

من خلال الأحداث التي تمرّ بها اليوم سورية ، وعلى مدى شهر كامل ، فقد لوحظ انقسام الجمهور السوري ، في الداخل والخارج ، إلى أربعة أطراف متنافسة ، كل منهم يحاول سحب البساط من تحت الآخرين . الطرف الأول وهو الأقوى حتى الآن عسكرياً ومادياً ، وهو النظام بما يحتويه من أدوات ووسائل ، والطرف الثاني : هو قوى المعارضة الخارجية التي تعمل بطرق غريبة وعجيبة وليست أقل من أدوات النظام تخبطاً وغرابة وبشاعة. ولم تكن المعارضة الخارجية بكلّّ مواصفاتها وصفاتها والاتهامات التي وجّهت إليها قادرة على تحريك شاب واحد ضمن سـورية لولا حدوث التغيرات العالمية عامة والتغييرات على الساحة العربية بشكل خاص.
والطرف الثالث : هو قوى الأحزاب الداخلية ذات الأقلية العددية ، والضعيفة مادياً ، وفراغ أغلبهم من المشروع الحضاري الفكري الذي يمكـّنهم من الاستمرار والديمومة ، ولم يُنظر إليهم حتى الآن، من قبل الشعب السوري والنظام ، بجدية وواقعية. وهي مازالت منغمسة في أحلام النظام وتنتظر منه المكرمات والهبات والصدقات .
أما الطرف الرابع : هو قوى الشارع السوري الواسع بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى ، هذه القوى التي خرجت لـتعبّر عن مصالحها وحاجياتها الضرورية ، سواء المعنوية والمادية ، أو السياسية والاقتصادية ، تـُعتبر أوسع القوى المتواجدة حالياً على أرض الواقع ، وتنبع بشكل أساسي من طرفين أساسيين  من الأطراف الثلاثة المتواجدة في الداخل :
أولهما حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يعتبر ضمنياً أن جميع الشباب في سورية هم كوادر في حزب البعث وشبيبته الثورية وطلائعه ، حيث يقوم بتربية هذه الشبيبة منذ نعومة أظفارها على مبادئ ومنطلقات الحزب ، فمثلاً شباب وأهل حوران خاصّة ، والكثير من شباب 15 آذار والسوريين عامة ، كانوا منذ أيام قليلة فقط هم السند الأول للنظام والتكوينة الأساسية له ، حيث كانوا يتفانون في حبـّه وخدمته، وهم يؤلفون التعداد الأكبر في حزب البعث العربي الاشتراكي ، فشباب الانتفاضة إذاً جاؤوا من رحم النظام وكوادره ، وهم من صَنعَ هذه الثورة بشكلها الافتراضي والواقعي على حدّ سواء ، وشباب البعث الأحرار، الذين تربـّوا في حضن البعث ومعتقداته المتقادمة ، هم من يصنع الانتفاضة اليوم ، انتفاضة التحرّر من القيود الصدئة لحزب البعث ، التي كبـّلت الشعب السوري منذ عدّة عقود ، انتفاضة الديمقراطية والكرامة والحرية التي طالما حلموا بها ولم يلمسوا منها أيّ شيء.
ثانيهما : هو كوادر الأحزاب الداخلية ، التي لم تكن على مستوى المسؤوليات أبداً ، ولم تكن في يوم من الأيام إلا تابع للنظام ، لذا نجد أنّ كوادرها اليوم تسير في الانتفاضة خلف الشباب الحرّ ، فقد تخلـّت هذه الكوادر عن قياداتها وانخرطت بقوة في زخم الانتفاضة الشعبية التي بدؤوا يرون فيها كل ما يحلمون به.
إننا نجد اليوم أنّ تعداد هؤلاء شباب 15 آذار يزداد كلـّما ازداد العنف ضدّهم أو مورس الاضطهاد عليهم ، فهم أبناء النظام وكوادره ، ويحق لهم ، كما يرتئون ، أن يعبّروا عن مواقفهم وأحلامهم بشكل ديمقراطي حرّ ، وبموجب ما تنصّ عليه منطلقات أحزابهم التي ينتمون إليها ويعتقدون بعقائدها ، فيزدادون تماسكاً وقوة وإيماناً بأهدافهم التي أعلنوها وآمنوا بها .
إذاً فتزايد أعداد المنتفضين يأتي بكلّ تأكيد من الانشقاق ، الغير معلن ، لأتباع أحزاب الداخل وعلى رأسها حزب البعث ، وتمرّدهم على أسيادهم الذين خلّدوا أنفسهم في مراكزهم وكراسيهم ، الذين لم يحققوا لأتباعهم أيّ هدف من الأهداف التي جاؤوا بها وأعلنوها ، فكانت جميعها مجرد حبر على ورق وغير قابلة للتطبيق ، فالاشتراكية لم يتولّد عنها إلا الرأسمالية الجشعة واحتكار المصالح لعدد محدود من المتسلـّطين ، والحرية لم نرى منها أي شيء ، حيث بقيت الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مقيّدة بحسب المصالح الشخصية الكبرى ، إلى أبعد الحدود ، والوحدة العربية لا زالت حلم غير ممكن التحقيق في ظلّ الأنظمة العربية المتواجدة على الساحة ، حيث أنشئت جامعة الدول العربية لمنع وحدة الوطن العربي بأي شكل من الأشكال ، أما العدالة والمساواة فكانت تداس يومياً بالأحذية والأرجل وتهان بالسياط وتقتل بالبنادق في السجون على مدى الخمسون عاماً الماضية ، بينما الإصلاح والتنمية التي خرجت إلينا منذ عقد من الزمن ، فإن النظام الحالي قد أعلنها صراحة في بداية انطلاقته كبرنامج سياسي واقتصادي ، يحاول الآن بشتى الوسائل التهرّب من استحقاقاتها ومتطلباتها .
وغيرها الكثير من الشعارات الطنـّانة التي تلوّنت بها الأحزاب السورية كأعلامها ، لم تكن سوى كلمات عابرة على ورق أصفر ، ليس لها أي قيمة أو تطبيق على أرض الواقع .
وعندما استشعر الشعب ذلك ، وهو يعلم يقيناً بأنه ليس أقل حضارة ورقيّ من الشعب المصري ، وليس أقل شجاعة واندفاعاً من الشعب الليبي الجريح ، خرج ليحصل على حقوقه كاملة – السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية - غير منقوصة ، خرج بيده الفارغة من السلاح ، وبصدور عارية ، ليصنع انتفاضة شعبية سـلمية على الفساد والمفسدين فقط ، انتفاضة بعيدة عن الخصائص الطائفية أو العرقية أو الإثنية ، معتمداً على رصيده المعنوي والإيماني المتولـّد من حبه لله تعالى وحبـّه لقائده المفدّى الرئيس بشار الأسد ، ورغبته بإبقاء سورية قوية مستقلة.
إنّ الشعب السوري بكلّ ألوانه وأطيافه إنما يمثـّل كتلة واحدة فلا يمكن أن ينشقّ على نفسه ، كما أنّ اعتماد النظام على طائفة واحدة أو حزب واحد قد أوقعه في مشاكل عديدة وفراغ حقيقي ، فالحزب الواحد ينشق الآن من داخله على نفسه لينضمّ معظم أعضاءه إلى الانتفاضة المتفاقمة يوماً بعد يوم ، بينما الاعتماد على الطائفة آخذ بالتآكل نتيجة لتصاعد الأحداث ، فالكثيرين منهم سينفضّون من حول النظام عندما يجدوا أن الفرصة باتت سـانحة لهم، وأنّ ليس لهم إلا أن يتـّحدوا ، كجسد سوري واحد ، مع بقية أطياف الشعب الذي يدوم غالباً مادامت الأرض تدور ، بينما تؤول الأنظمة للزوال وتتبدّل كحالة طبيعة وسـنـّة كونية تنتج عن الطبيعة البشرية التي تتغيّر وتتبدّل مع الزمان والمكان .
إذاً : ما يحدث في سورية لم يكن له أي دوافع خارجية مؤثـّرة تأثيراً حقيقياً ، ولم يكن نتيجة لعملية سياسية داخلية فعلية قادرة على إنتاج هذا الحراك الشعبي العفوي ، بل إنّ ما حدث حتى الآن كان نتيجة لتراكم الأخطاء الكثيرة والمتكرّرة للنظام ، وإغفاله مطالب مشروعة وغضّ البصر عن حيتان المال وذئاب الأعراض ، التي باتت تنتهك كلّ المحرمات وتفعل كل الممنوعات ، وكأنّ هذا الشعب ليس إلا جماعة من عبيد بني إسرائيل يفعل بهم أسيادهم الفراعنة ما يشاؤون بهم .
وقد أخطأ النظام وليس له إلا الاعتراف والتصحيح والإسراع بالإصلاح الكلي بهيكليته الداخلية أولاً.

15/4/2011

م. أحمد راتب علي الـتيناوي

عضو المكتب السياسي

ليست هناك تعليقات: